فصل: تفسير الآيات (101- 102):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (101- 102):

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}
{بَدِيعُ} ذكر معناه في [البقرة: 117] ورفعه على أنه خبر ابتداء ممر أو مبتدأ وخبره: أنى يكون، وفاعل تعالى، والقصد به الرد على من نسب لله البنين والبنات، وذلك من وجهين: أحدهما أن الولد لا يكون إلا من جنس والده، والله تعالى متعال عن الأجناس، لأنه مبدعها، فلا يصح أن يكون له ولد والآخر: أن الله خلق السموات والأرض ومن كان هكذا فهو غني عن الولد وعن كل شيء {فاعبدوه} مسبب عن مضمون الجملة أي من كن هكذا فهو المستحق للعبادة وحده.

.تفسير الآية رقم (103):

{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} يعني في الدنيا؛ وأما في الآخرة، فالحق أن المؤمنين يرون ربهم بدليل قوله: إلى ربها ناظرة، وقد جاءت في ذلك أحاديث صحيحة صريحة، لا تحتمل التأويل، وقالت الأشعرية إن رؤة الله تعالى في الدنيا جائزة عقلاً، لأن موسى سألها من الله، ولا يسأل موسى ما هو محال، وقد اختلف الناس هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء أم لا {وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} قال بعضهم: الفرق بين الرؤية والإدراك أن الإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى غايته، فلذلك نفى أن تدرك أبصار الخلق ربهم، ولا يقتضي ذلك نفي الرؤية وحسن على هذا قوله: وهو يدرك الأبصار وهو الخبير بكل شيء، وهو يدرك الأبصار لإحاطة علمه تعالى بالخفيات {اللطيف الخبير} أي لطيف عن أن تدركه الأبصار وهو الخبير بكل شيء، وهو يدرك الأبصار.

.تفسير الآيات (104- 106):

{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}
{قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ} جمع بصيرة، وهو نور القلب، والبصر نور العين، وهذا الكلام على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وما أنا عليك بحفيظ {وَلِيَقُولُواْ} متعلق بمحذوف تقديره: ليقولوا صرفنا الآيات {دَرَسْتَ} بإسكان السين وفتح التاء درست العلم وقرأته، ودارَسْتَ بالألف أي دارست العلم وتعلمت منه، ودرست بفتح السين وإسكان التاء بمعنى قدمت هذه الآيات ودبرت {وَلِنُبَيِّنَهُ} الضمير للآيات وجاء مذكراً لأن المراد بها القرآن {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} إن كان معناه: أعرض عما يدعونك إليه؛ أو عن مجادتهم فهو محكم، وإن كان عن قتالهم وعقابهم فهو منسوخ. وكذلك ما أنا عليكم بحفيظ وبوكيل.

.تفسير الآيات (108- 110):

{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
{وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي لا تسبوا آلهتمهم فيكون ذلك سبباً لأن يسبوا الله، واستدل المالكية بهذا على سدّ الذرائع {قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله} أي هي بيد الله لا بيدي {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} أي ما يدريكم، وهو من الشعور بالشيء، وما نافية أو استفهامية {أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} من قرأ بفتح أنها فهو معمول يشعركم: أي ما يدريكم أن الآيات إذا جاءتهم لا يؤمنون بها، نحن نعلم ذلك وأنتم لا تعلمونه وقيل: لا زائدة، والمعنى ما يشعركم أنهم يؤمنون، وقيل: أن هنا بمعنى لعل فمن قرأ بالكسر فهي استئناف إخبار وتم الكلام في قوله: وما يشعركم أي ما يشعركم ما يكون منهم فعلى القراءة بالكسر يوقف على ما يشعركم. وأما على القراءة بالفتح فإن كانت مصدرية لم يوقف عليه لأنه عامل فيها، وإن كانت بمعنى لعل فأجاز بعض الناس الوقف. ومنعه شيخنا أبو جعفر بن الزبير، لما في لعل من معنى فأجاز بعض الناس الوقف. ومنعه شيخنا أبو جعفر بن الزبير، لما في لعل من معنى التعليل {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأبصارهم} أي نطبع عليها ونصدها عن الفهم فلا يفهمون {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ} الكاف للتعليل أي: نطبع على أفئدتهم وأبصارهم عقوبة لهم على أنهم لا يؤمنون به أول مرة، ويحتمل أن تكون للتشبيه، أن تطبع عليها إذا رأوا الآيات مثل طبعنا عليها أول مرة.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملائكة} الآية: رد عليهم في قسمهم أنهم لو جاءتهم آية ليؤمنّن بها أي: لو أعطيناهم هذه الآيات التي اقترحوها، وكل آية لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله {قُبُلاً} بكسر القاف وفتح الباء أي معاينة فنصبه على الحال، وقرئ بضمتين ومعناه مواجهة: كقوله: {قُدَّ مِن قُبُلٍ} [يوسف: 26]، وقيل: هو جمع قبيل بمعنى كفيل، أي كُفَلاء بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (112):

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً} الآية: تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بالتأسي بغيره {شياطين الإنس والجن} أي المتمردين من الصنفين، ونصب شياطين على البدل من عدواً، إذ هو بمعنى الجمع أو مفعول أول، وعدواً مفعول ثان {يُوحِي بَعْضُهُمْ} أي يوسوس ويلقي الشر {زُخْرُفَ القول غُرُوراً} ما يزينه من القول {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} الضمير عائد على وحيهم، أو على عداوة الكفار {فَذَرْهُمْ} وعيد {وَمَا يَفْتَرُونَ} ما في موضع نصب على أنها مفعول معه أوعطف على الضمير.

.تفسير الآيات (113- 115):

{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}
{ولتصغى} أي تميل وهو متعلق بمحذوف واللام لام الصيرورة {إِلَيْهِ} الضمير لوحيهم {وَلِيَقْتَرِفُواْ} يكتسبوا {أَفَغَيْرَ الله} معمول لقول محذوف أي: قل لهم {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} أي صحت والكلمات ما نزل على عباده من كتبه {صِدْقاً وَعَدْلاً} أي صدقاً فما أخبر وعدلاً فيما حكم.

.تفسير الآيات (118- 119):

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
[المائدة: 4] القصد بهذا الأمر إباحة ما ذكر اسم الله عليه، والنهي عما ذبح للنصب وغيرها، وعن الميتة وهذا النهي يقتضيه دليل الخطاب من الأمر ثم صرح به في قوله الآتي: {أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ}؛ وقد استدل بذلك من أوجب التسمية على الذبيحة، وإنما جاء الكلام في سياق تحريم الميتة وغيرها، فإن حملناه على ذلك لم يكن فيه دليل على وجوب التسمية في ذبائح المسلمين، وإن حملناه على عمومه كان فيه دليل على ذلك، وقال عطاء: وهذه الآية أمر بذكر الله على الذبح والأكل والشرب {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ} المعنى أي غرض لكم في ترك الأكل، مما ذكر اسم الله عليه، وقد بين لكم الحلال من الحرام {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} استثناء بما حرم.

.تفسير الآيات (120- 121):

{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}
{وَذَرُواْ ظاهر الإثم وباطنه} لفظ يعم أنواع المعاصي: لأن جميعها إما باطن وإما ظاهر؛ وقيل: الظاهر الأعمال، والباطن الاعتقاد {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} الضمير لمصدر ولا تأكلوا {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ ليجادلوكم} سببها أن قوماً من الكفار قالوا: إنا نأكل ما قتلناه، ولا نأكل ما قتل الله يعنون الميتة.

.تفسير الآيات (122- 123):

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}
{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فأحييناه} الموت هنا عبارة عن الكفر، والإحياء عبارة عن الإيمان، والنور: نور الإيمان، والظلمات الكفر؛ فهي استعارات وفي قوله: {مَيْتاً فأحييناه} مطابقة وهي من أدوات البيان، ونزلت الآية في عمار بن ياسر، وقيل في عمر بن الخطاب والذي في الظلمات أبو جهل، ولفظها أعم من ذلك {كَمَن مَّثَلُهُ} مثل هنا بمعنى صفة، وقيل زائدة، والمعنى كمن هو {وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أكابر} أي كما جعلنا في مكة أكابرها ليمكروا فيها جعلنا في كل قرية، وإنما ذكر الأكابر، لأن غيرهم تبع لهم؛ والمقصود تسلية النبي صلى الله عليه وسلم {مُجْرِمِيهَا} إعرابه مضاف إليه عند الفارسي وغيره؛ وقال ابن عطية وغيره: إن مفعول أول بجعلنا وأكابر مفعول ثان مقدم؛ وهذا جيد في المعنى ضعيف في العربية، لأن أكابر جمع أكبر وهو من أفعل فلا يستعمل إلا بمن أو بالإضافة.

.تفسير الآية رقم (124):

{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
[الإسراء: 90] الآية: قائل هذه المقالة أبو جهل، وقيل الوليد بن المغيره، لأنه قال: أنا أولى بالنبوة من محمد {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} رد عليهم فيما طلبوه، والمعنى أن الله علم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رد عليهم فيما طلبوه، والمعنى أن الله علم أن محمداً صلى الله عليه وسلم أهل للرسالة، فخصه بها، وعلم أنهم ليسوا بأهل لها فحرمهم إياها، وفي الآية من أدوات البيان الترديد لكونه ختم كلامهم باسم الله ثم رده في أول كلامه {صَغَارٌ} أي ذلة.

.تفسير الآية رقم (125):

{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}
{يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام} شرح الصدر وضيقه وحرجه: ألفاظ مستعارة ومن قرأ حَرَجاً بفتح الراء فهو مصدر وصف به {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء} أي كأنما يحاول الصعود إلى السماء، وذلك غير ممكن، فكذلك يصعب عليه الإيمان وأصل يصعد المشدد يتصعد، قرئ بالتخفيف.

.تفسير الآية رقم (127):

{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}
{لَهُمْ دَارُ السلام} الجنة، والسلام هنا يحتمل أن يكون اسم الله، فأضافها إليه: لأنها ملكه وخلقه، أو بمعنى السلامة والتحية.

.تفسير الآيات (128- 129):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}
{وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ} العامل في يوم محذوف تقديره اذكر، وتقديره: قلنا، ويكون على هذا عاملاً في يوم وفي {يامعشر الجن قَدِ استكثرتم مِّنَ الإنس} اي أضللتم منهم كثيراً، وجعلتموهم أتباعكم كما تقول: استكثر الأمير من الجيش {استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} استمتاع الجن بالإنس: طاعتهم لهم واستمتاع الإنس بالجن كقوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن} [الجن: 6]، فإن الرجل كان إذا نزل وادياً قال: أعوذ بصاحب هذا الوادي يعني كبير الجن {وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا} هو الموت وقيل: الحشر {إِلاَّ مَا شَآءَ الله} قيل: الاستثناء من الكاف والميم في مثواكم فما بمعنى من، لأنها وقعت على صنف من الجن والإنس والمستثنى على هذا: من آمن منهم، وقيل: الاستثناء من مدّة الخلود، وهو الزمان الذي بين حشرهم إلى دخول النار، وقيل: الاستثناء من النار، وهو دخولهم الزمهرير، وقيل: ليس المراد هنا بالاستثناء الإخراج، وإنما هو على وجه الأدب مع الله، وإسناد الأمور إليه {نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين} أي نجعل بعضهم ولياً لبعض، وقيل: يتبع بعضهم بعضاً في دخول النار، وقيل: نسلط بعضهم على بعض.

.تفسير الآية رقم (130):

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ} تقرير للجن والإنس، فقيل: إن الجن بعث فيهم رسل منهم لظاهر الآية، وقيل: إنما الرسل من الإنس خاصة، وإنما قال: رسل منكم لما تقدّم هناك فإن قيل: لم كرّر شهادتهم على أنفسهم؟ فالجواب أن قولهم: شهدنا على أنفسنا قول قالوه هم، وقله: شهدوا على أنفسهم ذل لهم وتقبيح لحالهم.

.تفسير الآية رقم (131):

{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}
{ذلك} خبر ابتداء مضمر تقديره الأمر ذلك أو مفعول لفعل مضمر تقديره فعلنا ذلك، والإشارة إلى بعث الرسل {أَن لَّمْ يَكُنْ} تعليل لبعث الرسل، وهو في موضع مفعول من أجله، أو بدل من ذلك {بِظُلْمٍ} فيه وجهان: أحدهما أن الله لم يكن ليهلك القرى دون بعث الرسل إليهم، فيكون إهلاكهم ظلماً إذ لم ينذرهم، فهو كقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، والآخر: أن الله لا يهلك القرى بظلمهم إذا ظلموا، دون أن ينذرهم، ففاعل الظلم على هذا أهل القرى وغفلتهم عدم إنذارهم، حكى الوجهين ابن عطية والزمخشري:، والوجه الأول صحيح على مذهب المعتزلة، ولا يصح على مذهب أهل السنة، لأن الله لو أهلك عباده بغير ذنب: لم يكن ظالماً عندهم.

.تفسير الآيات (132- 133):

{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133)}
{وَلِكُلٍّ درجات} منازل في الجزاء على أعمالهم من الثواب والعقاب {مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ} أي من ذرية أهل سفينة نوح أو من كان قبلهم إلى آدم.

.تفسير الآيات (135- 136):

{قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
{اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} الأمر هنا للتهديد، والمكانة التمكن {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديد {مَن تَكُونُ لَهُ} يحتمل أن تكون من موصوله في موضع نصب على المفعولية أو استفهامية في موضع رفع بالابتداء {عاقبة الدار} أي الآخرة أو الدنيا، والول أرجح لقوله: {عقبى الدار * جَنَّاتُ عَدْنٍ} [الرعد: 22-23] {وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً} الضمير في جعلوا لكفار العرب. قال السهيلي: هم حيّ من خولان، يقال لهم: الديم كانوا يجعلون من زروعهم وثمارهم ومن أنعامهم نصيباً لله ونصيباً لأصنامهم، ومعنى ذرأ: خلق وأنشأ، ففي ذلك رد عليهم، لن الله لاذي خلقها وذرأها: هو مالكها لا رب غيره {بِزَعْمِهِمْ} أي بدعواهم وقولهم من غير دليل ولا شرع، وأكثر ما يقال الزعم: في الكذب، وقرئ بفتح الزاي والكسائي بالضم وهما لغتان {فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إلى الله} الآية كانوا إذا هبت الريح فحملت شيئاً من الذي لله إلى الذي للأصنام أقروه، وإن حملت شيئاً من الذي للأصنام إلى الذي لله ردّوه، وإذا أصابتهم سنة أكلوا نصيب الله ةتحاموا نصيب شركائهم.